التسميات

"خريطة الأديان في العالم": الإسلام الأكثر توسعا جغرافيا وعدديا



 إعداد: ياسر المختوم / مركز نماء للبحوث والدراسات

* مدخل:

كشفت دراسة حديثة لمؤسسة "بيو" الأمريكية لأبحاث الأديان والحياة العامة،  بأن 84 في المائة من سكان العالم يعتنقون الأديان السماوية، أو ينتسبون إلى جماعات دينية ابتكرها البشر، وهو ما يشكل 5.8 مليار شخص من أصل 6.9 مليار نسمة تسكن مختلف دول العالم.
وصنفت مؤسسة  "بيو" العالم إلى ثماني مجموعات دينية، واحتلت المسيحية المجموعة الدينية الأولى بما يمثل 31.5 بالمائة من سكان العالم المنتسبين إليها، واحتلت الديانة الإسلامية المرتبة الثانية،  ويعتنقها 23.2 بالمائة من سكان العالم، بالمقابل يعتبر اليهود أقل المجموعات الدينية بنسبة لا تتعدى 0.2 بالمائة، ولا يتجاوز عددهم 14 مليون شخص.
وذكرت مؤسسة "بيو" الأمريكية للدراسات، في دراسة حديثة لها حول خريطة الأديان بالعالم منذ سنة 2012، تحت عنوان "المشهد الديني العالمي: تقرير عن حجم وتوزيع المجموعات الدينية في العالم اعتبارا من سنة 2010»، -ذكرت- أن ستة بالمائة من سكان العالم "حوالي 400 مليون شخص"، يعتقون الممارسات الدينية الشعبية المختلفة، منها الأديان الإفريقية والصينية التقليدية والأديان المنتشرة بأمريكا وأستراليا لسكانها الأصليين.
الدراسة ذاتها تشير إلى أن الهندوس والبوذيين الذين يتمركزون بآسيا والمحيط الهادئ، يشكلون نسبة 15 و7 بالمائة  على التوالي، وذلك من مجموع سكان العالم، بينما ما يزال 6 بالمائة من سكان العالم يعتنقون الديانات الشعبية، التي وصفتها الدراسة بـ"البائدة"، وتتمثل في الأديان التقليدية الصينية والإفريقية التي مارسها الأفارقة قبل مجيء المسيحية والإسلام، منها السانتريا وأمباندا وفودو..، وكذا أديان سكان أستراليا وأمريكا الأصليين، "أزتيك والإنكا والمايا".
البيانات التي كشفت عنها دراسة مؤسسة "بيو" الأمريكية لأبحاث الأديان والحياة العامة، والتي سنقدم أهم نتائجها وخلاصتها، أوضحت أن عدد المسلمين يبلغ 1.6 مليار شخص ويشكل 23.2 في المائة من إجمالي سكان العالم، وسجلت استمرار ارتفاع عدد المسلمين بالموازاة مع النمو الديمغرافي للساكنة.
كما تحدثت عن توسع للإسلام في العالم بوتيرة أسرع مقارنة مع أغلب الأديان والجماعات الدينية الأخرى التي يتقلص عدد المنتسبين إليها، حيث نجد مثلا تراجع عدد المسيحيين، الذين باتوا يشكلون 31.5 بالمائة من سكان العالم، بعد أن كانوا يشكلون قبل سنوات 35 بالمائة من ساكنة المعمور، ويصل عددهم إلى 2.2 مليار شخص قبل قرن.
وتقدم الدراسة التوزيع الجغرافي والعددي لجميع الأديان السماوية وغير السماوية،  وشمل ذلك 230 بلدا وإقليما، وخلصت إلى أن العالم ما يزال ينزع نحو التدين.
وتأتي الدراسة الحديثة للمؤسسة الأمريكية، لتؤكد خلاصات دراسة سابقة أنجزتها السنة الماضية نفس المؤسسة، حول مستقبل التعداد السكاني للمسلمين في العالم، ركزت على توقعات سنوات 2010-2030.
وتحدثت آنذاك عن ارتفاع التعداد السكاني للمسلمين في العالم بحوالي 35 بالمائة خلال العشرين سنة القادمة، وقالت إن عدد المسلمين في العالم  سيرتفع من 1.6 مليار مسلم سنة 2010 إلى 2.2 مليار سنة 2030، وسجلت تسارعا في نمو الساكنة المسلمة، وذلك بمعدل ضعف النسبة التي تنمو بها الساكنة غير المسلمة، وهو ما يقارب معدلا سنويا للنمو قدر بحوالي 1.5 بالمائة، مقابل 0.7 بالمائة للساكنة غير المسلمة.
وخلصت إلى أن استمرار النمو بهذه الوتيرة سيرفع نسبة المسلمين بالنسبة لعدد سكان العالم إلى 26.4 بالمائة، ليصل عددهم سنة 2030 إلى 8.3 مليار نسمة.

* الإسلام الأكثر توسعا جغرافيا وعدديا..المسلمون ثاني المجموعات الدينية ويشكلون 23.2 في المائة من سكان العالم:

يظل الإسلام حسب الدراسة، الديانة الوحيدة التي تتوسع عدديا بدرجة أولى وجغرافيا بدرجة ثانية، وهو ما يؤكده مؤشر متوسط عمر المسلمين الذي لا يتعدى 23 سنة، وهو أقل من متوسط عمر سكان العالم الذي يبلغ 28 سنة، وتعد كل المجموعات الدينية الأخرى (باستثناء الهندوس) من كبار السن، حيث يبلغ متوسط عمر المسيحيين 30 سنة، ويتجاوز متوسط عمر اليهود 36 سنة.
وبخصوص التوزيع الجغرافي للمسلمين، سجلت الدراسة أن 93 بالمائة من ساكنة المنطقة العربية مسلمة، و30.2 في المائة من سكان القارة الإفريقية مسلمون، وحوالي 24.3 في المائة من سكان قارة آسيا مسلمون، كما أن حوالي 5.9 بالمائة من مواطني أوروبا معتنقون للدين الإسلامي، وواحد بالمائة من الأمريكيتين يعتنقون الإسلام.
وبخلاف باقي الأديان الأخرى، يعتبر الإسلام الديانة الأكثر توسعا جغرافيا، إذ أبرزت الدراسة أن 73 في المائة من المسلمين يعيشون أغلبية في 49 بلدا، بما فيها 19 بلدا من أصل 20 بلدا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما يوجد أزيد من ربع المسلمين يعيشون في باقي دول العالم على شكل "أقلية"، وتفيد الدراسة بأنه يكاد "لا توجد منطقة لا تعرف حضورا للمسلمين".
وفي العلاقة بالكثافة السكانية، تفيد الدراسة بأن عشر دول بينها اثنتين غير إسلاميتين تستأثر بحكم كثافتها السكانية بثلثي المسلمين، وتحتل المرتبة الأولى إندونيسيا التي يتواجد بها أزيد من 209 مليون مسلم، يليها الهند بحوالي 176 مليون نسمة، ثم باكستان والبنغلادش بحوالي 167 و133 مليون مسلم على التوالي، واحتلت نيجيريا المرتبة الخامسة بـ133 مليون مسلم، تليها جمهورية مصر العربية ذات الكثافة السكانية المسلمة التي تصل إلى حوالي 80 مليون نسمة، متبوعة بإيران ثم تركيا ثم الجزائر في المرتبة التاسعة بنحو 35 مليون مسلم ومسلمة/
واحتل المغرب المرتبة العاشرة بين دول العالم التي تعرف وجودا كبيرا للمسلمين، بـ"31 مليون و940 ألف مسلم"، بالمقابل احتل المغرب المرتبة الأولى من حيث عدد المسلمين مقارنة مع التعداد السكاني، إذ يشكل المسلمون نسبة 99.9 في المائة من سكان المغرب، متبوعا بإيران ثم تركيا، فالجزائر..

* "الديانات الشعبية"..  405 مليون شخص عبر العالم يعتنقونها:

تفيد دراسة مؤسسة "بيو" بأن حوالي 405 مليون شخص عبر العالم يعتنق "أديانا شعبية"، وتعتبر الدراسة أن "الديانات الشعبية" هي الممارسات المحلية التي يلجأ إليها الناس لإشباع رغباتهم الروحية، وتشمل الديانات الشعبية الأديان التقليدية الصينية والإفريقية التي مارسها الأفارقة قبل مجيء الإسلام والمسيحية، منها السانتريا وأمباندا وفودو..، وكذا أديان سكان أستراليا وأمريكا الأصليين، منها دين أزتيك  ودين الإنكا والمايا/
ومن مجموع سكان العالم، يوجد حوالي ستة بالمائة من الساكنة الذين يعتنقون هذه "الديانات الشعبية"، الذين ينحصرون بنسبة 90 بالمائة في دول آسيوية، "حوالي 365 مليون نسمة"/
فيما تتوزع البقية دول بإفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 6.6 بالمائة، وفي الأمريكيتين بنسبة 3 في المائة. ويرتكز معتنقو هذه الأديان أساسا في عشر دول بآسيا وإفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 91 في المائة، في مقدمتها الصين التي ينتمي إليها 22 في المائة من ساكنة البلد، أي ما يمثل حوالي 294  مليون نسمة، ويشكلون لوحدهم نحو 73 في المائة من عددهم الإجمالي في أنحاء العالم/
ويعتنق هذه الأديان 45 في المائة من سكان الفيتنام والتايوان على التوالي، ونحو 33 في المائة من مواطني دولة جنوب السودان،  بالإضافة على بضع ملايين متمركزة في كل من بوكينافاصو ونيجريا بإفريقيا، والهند وكوريا الشمالية وبرورما ميانمار بآسيا، والبرازيل بأمريكا اللاتينية.

* 59 بالمائة من اليهود يعيشون أقلية في دول العالم:

يعتبر اليهود أقل المجموعات الدينية على الإطلاق في العالم،  ولا يتجاوز عدد المنتسبين للديانة اليهودية 15 مليون شخص في أنحاء العالم. ويعتبر اليهود إلى جانب البوذيين، الأكثر ارتكازا بنسبة كبيرة كأقلية.
وقالت الدراسة، بأن 41 بالمائة فقط يتواجدون كأغلبية على شكل كيان في أرض فلسطين، بينما يعيش 59 بالمائة منهم أقلية في باقي دول العالم، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي يقيم بها 41 بالمائة من إجمالي عدد اليهود في العالم، أي ما يمثل حوالي 6 ملايين شخص، ويشكلون 1.8 بالمائة من ساكنة أمريكا.
بينما تتوزع النسبة المتبقية لليهود كما يل، حوالي 1.5 مليون يهودي ويهودية في دول أوروبا، و470 ألفا بقارة أمريكا الجنوبية و200 ألف بدول آسيا والمحيط الهادئ و10 ألف بإفريقيا جنوب الصحراء.

* اللادينيون" يشكلون 0.6 في المائة في العالم العربي:

كشفت الدراسة بأن 1.1 مليار شخص في العالم لادينيون (إما ملحدون أو لاأدريون)، يمثلون حوالي 13.6 بالمائة من ساكنة المعمور، ويعتبر العرب الأكثر تدينا، ولا يتجاوز نسبة اللادينيين في العالم العربي 0.2  بالمائة، كما لا يتعدى عددهم مليونين ومائة ألف شخص، وهم يشكلون بذلك مقارنة مع التعداد السكاني لمجمل الدول العربية،0.6 في المائة من الساكنة التي تبلغ 341 مليون و20 ألف شخص.
كما يشكل اللادينيون ثالث أكبر المجموعات في العالم بعد المسيحية والإسلام، وكشفت الدراسة عدم انتساب 16.3 في المائة من سكان العالم، (حوالي مليار و100 ألف شخص)، إلى الأديان السماوية أو تلك التي ابتكرها الإنسان.
وأظهرت الدراسة أن حوالي 52 في المائة من اللادينيين في العالم يتواجدون في دولة واحدة تعد أهم قلاع الشيوعية، وهي الصين التي ينتمي 62 بالمائة من مواطنيها إلى هذه المجموعة الدينية، وحكمها ماوتسي يونغ أحد قادة الشيوعية فكرا وممارسة ثلاثين عاما.
وأبرزت الدراسة أن غير المنتسبين دينيا، يشكلون أغلبية في ست دول قاسمها المشترك تاريخها الشيوعي، فإلى جانب الصين لا يعتنق 76 في المائة من مواطني جمهورية التشيك أيا من الأديان، ولا ينتسب71 بالمائة من ساكنة كوريا الشمالية إلى أي مجموعة دينية، ولا ينتمي 59 بالمائة من ساكنة إستونيا بشرق أوروبا إلى الأديان السماوية والوثنية، ولا يؤمن 57 في المائة من مواطني دولتي اليابان وهونغ كونغ بما جاءت به الأديان وتدعو إليه.
كميا، يوجد  86 بالمائة من إجمالي منتسبي هذه المجموعة الدينية في عشر دول، تبنت غالبيتها الشيوعية باستثناء فرنسا وألمانيا التي لا يدين ربع سكانها بأي دين، والولايات المتحدة الأمريكية التي لا يعتنق 1 من كل 8 مواطنين الأديان. وأخيرا بينت الدراسة أن اللادينيين لا وجود لهم في العالم العربي إلا بنسبة لا تكاد تذكر، وسجلت وجود 0.6 بالمائة فقط من ساكنة العالم العربي ينتسبون لهذه المجموعة الدينية، ويقدر عددهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمليونين و100 ألف شخص من إجمالي الساكنة الذي يزيد عن 341 مليون نسمة.

* 99 بالمائة من معتنقي الهندوسية والبوذية يرتكزون بآسيا:

معتنقو الديانتين الهندوسية والبوذية  يقتربون من عدد المسلمين عبر العالم، هذا ما كشفت عنه الدراسة وقالت أنهم يشكلون 22 بالمائة من مجموع سكان العالم، 15 بالمائة من الهندوس و7 بالمائة من البوذيين، ولوحظ أن هاتين الديانتين ترتكزان في مهدهما بدول آسيا بنسبة 99 في المائة.
كما إن الغالبية الساحقة من الهندوس (94 بالمائة من عددهم الإجمالي)، يعيشون بالهند التي يشكلون بها أزيد من ثلاثة أرباع سكان البلد، بينما تستقر نسبة 6 بالمائة الأخرى بدول أخرى، مثل النبيال والبنغلادش وإندونسيا وباكستان وسيري لانكا وماليزيا وبورما، مع وجود أقلية من معتنقي هذه الديانة بالولايات المتحدة الأمريكية، بحوالي مليون و790 شخص، وببريطاينا بحوالي 800 ألف شخص.
ويعيش غالبية البوذيين بدول آسيا والمحيط الهادئ، ويتمركز النصف الأول بدولة الصين لوحدها، والنصف الثاني يتوزعون على التايلاند واليابان وبورما وسيري لانكا والفيتنام وكمبوديا وكوريا الشمالية والهند وماليزيا على التوالي.

* ملاحظان لا بد منها

الملاحظة الأولى:
مع أن هذه الدراسة أكدت تفوق المسيحيين عدديا، إلأ أنها بالمقابل رسمت التوجهات المستقبلية، والتي  ستعيد  خارطة توزيع الأديان في العالم، فأخذا بعين الاعتبار التراجع في نسبة توسع الدين المسيحي، وأخذا بعين الاعتبار التقدم والتوسع الجغرافي والعددي للإسلام، فيرشح أن يحتل الإسلام المرتبة ألولى في خارطة  الأديان في العالم  في السنوات القليلة المقبلة
الملاحظة الثانية:
على رغم الموجات العلمانية والإلحادية التي يعرفها العالم، وعلى الرغم من التوسع في إطلاق مفهوم اللاديني على الملحدين واللادينيين وعلى الذين لا يشغلهم الدين، فإن نسبة اللامتدينين في العالم تبقى جد محدودة، إذ لا تتجاوز  14 في المائة، بينما لا تصل هذه الفئة إلى نسبة 1 في المائة من العالم العربي، مما يؤكد  استعصاء التربة الثقافية الإسلامية عن قبول  النبتة اللادينية في المجتمع، وهو ما يؤكد في المقابل أصالة التدين في المجتمعات  العربية واستحالة نجاح أي مشروع فكري أو سياسي يخاصم المرجعية الدينية للأمة العربية الإسلامية.
المصدر: العصر

Twitter Delicious Facebook Stumbleupon Favorites More